قال: (وفي المسألة قول ثالث، وهو الصواب: أنه ليس هذا أفضل من هذا مطلقاً، ولا هذا أفضل من هذا مطلقاً، بل أفضلهما أتقاهما، كما قال تعالى (( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ))[الحجرات:13]، وقال عمر بن الخطاب: [الغنى والفقر مطيتان، لا أبالي أيتهما ركبت ]. وقد قال تعالى: (( إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا ))[النساء:135]).
وانظر إلى قول عمر رضي الله تعالى عنه: [الغنى والفقر مطيتان، لا أبالي أيتهما ركبت] . أي: إن قدر الله تعالى علي الغنى شكرت، وأنفقت وتصدقت، واحتسبت ذلك عند الله عز وجل، ولم أبغ، ولم أطغ، كما ذكر الله تعالى عن حال من حذرنا منهم: (( كَلَّا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ))[العلق:6-7]، فحذرنا من حال من يطغى إذا استغنى كـقارون وأمثاله، وقد وعظه ونصحه قومه فقالوا له تلك العبارات العظيمة الجامعة التي ينبغي لكل من أعطاه الله تبارك وتعالى مالاً أن يراعيها، وأن يجعلها منهاجاً له، قالوا له: (( وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ ))[القصص:77]، ولو أن كل من أعطاه الله مالاً وثروة عمل بمقتضى هذه الآية لكنا في خير حال.
لكن نجد أن كثيراً من الناس إذا أغناهم الله بغوا في الأرض، وابتغوا شهوات الدنيا، ونسوا الدار الآخرة، وأفسدوا وهم يشعرون؛ عياذاً بالله، وأما المتقي إن ابتلاه الله تعالى بالفقر صبر واحتسب، وقال: إن هذا خير لي، وربما لو ابتلاني بالغنى ما أفلحت، فيحمد الله تبارك وتعالى على ذلك.
فهذا الكلام من عمر رضي الله تعالى عنه يرجع فيه الأمر إلى الله، فالله تبارك وتعالى هو الذي يبتلي بهذا وبهذا، فبأيهما ابتلاني لا أبالي، فإن ابتلى بالخير فالحمد لله، وله حله، وعلاجه، والصبر عليه كيف يكون، وإن ابتلى بالشر فكذلك له حله، وعلاجه، وكيف يكون الصبر عليه.
ثم يقول: (وهذا القول اختيار طائفة، منهم: الشيخ ابن حفص السهروردي).